كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


<تنبيه> قال الغزالي‏:‏ لا تظن أن ما في التهليل والتقديس والتحميد والتسبيح من الحسنات بإزاء تحريك اللسان بهذه الكلمات من غير حصول معانيها في القلب فسبحان اللّه كلمة تدل على التقديس ولا إله إلا اللّه كلمة تدل على التوحيد والحمد للّه تدل على معرفة النعمة من الواحد الحق فيما وعد به من الحسنات والمغفرة ونحو ذلك بإزاء هذه المعارف وإنما هو من أبواب الإيمان واليقين‏.‏

<تنبيه> قال ابن حجر في الفتح‏:‏ قال بعضهم‏:‏ الأعداد الواردة كالذكر عقب الصلاة إذا رتب عليها ثواب مخصوص فزاد الآتي بها على العدد لا يحصل له الثواب المخصوص لاحتمال أن يكون لتلك الأعداد حكمة وخاصة تفوت بمجاوزة ذلك قال شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي‏:‏ فيه نظر لأنه أتى بالقدر الذي رتب الثواب عليه فإذا زاد عليه من جنسه كيف يكون الزيادة مزيلة لذلك الثواب بعد حصوله اهـ‏.‏ ويمكن أن يفرق بالنية فإن نوى عند الانتهاء إليه امتثال الوارد ثم أتى بالزيادة لم يضر وإلا ضر وقد بالغ القرافي في قواعده فقال‏:‏ من البدع المكروهة الزيادة في المندوبات المحدودة شرعاً لأن شأن العظماء إذا حدّوا شيئا أن يوقف عنده ويعد الخارج عنه مسيئاً للأدب وقد مثله بعضهم بالدواء إذا زيد فيه سكراً مثلاً ضر، ويؤيده الأذكار المتغايرة إذا ورد لكل منها عدد مخصوص مع طلب الإتيان بجميعها متوالية لم تحسن الزيادة عليه لما فيه من قطع الولاء لاحتمال أن يكون للولاء حكمة خاصة يفوت بفوتها‏.‏

- ‏(‏ن عن أبي هريرة‏)‏ رمز المصنف لصحته وقضية صنيع المؤلف أنه لم يخرج في أحد الصحيحين والأمر بخلافه فقد خرجه مسلم في الصلاة بزيادة ولفظه من سبح اللّه دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين وحمد اللّه ثلاثاً وثلاثين وكبر اللّه ثلاثاً وثلاثين قتلك تسعة وتسعون ثم قال تمام المئة لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر‏.‏

8739 - ‏(‏من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو له‏)‏ قال البيهقي‏:‏ أراه إحياء الموات، وقال غيره‏:‏ يحتمل أن المراد بماء واحد المياه، ويحتمل كون ما موصولة وجملة لم يسبق صلتها وكونها نكرة موصوفة بمعنى شيء والأخيران أولى كأنها أعم والحمل عليه أكمل وأتم فيشمل ما كل عين وبئر ومعدن كملح ونفط فالناس فيه سواء ومن سبق لشيء منها فهو أحق به حتى يكتفي وشمل من سبق لبقعة من نحو مسجد أو شارع وخرج الكافر فلا حق له وقوله فهو له أي فهو أحق بما سبق إليه من غيره يقدم منه بكفايته فإن زاد أزعج هذا ما قرره جمع شارحون ومن وقف على سبب الحديث وتأمله علم أن المراد إنما هو إحياء الموات ولذلك اقتصر عليه الإمام البيهقي فذكره غيره غفلة واسترسال مع ظاهر اللفظ‏.‏

- ‏(‏د‏)‏ في الخراج ‏(‏والضياء‏)‏ المقدسي ‏(‏عن أم جندب‏)‏ كذا رأيته في مسودة المؤلف بخطه من غير زيادة ولا نقصان وأم جندب غفارية وأزدية وظفرية فكان ينبغي التمييز، ثم إن الذي في أبي داود إنما هو عن أم جندب بنت ثميلة عن أمها سودة بنت جابر عن أمها عقيلة بنت أسمر عن أبيها أسمر بن مضرس الطائي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهكذا هو في الإصابة بخط الحافظ ابن حجر عازياً لأبي داود‏.‏ وقال‏:‏ إسناده جيد وسبقه إلى ذلك ابن الأثير وغيره فذهل المصنف عن ذلك كله قال البغوي‏:‏ لا أعلم بهذا الإسناد غير هذا الحديث‏.‏ وقال ابن السكن‏:‏ ليس لأسمر إلا هذا الحديث الواحد‏.‏

8740 - ‏(‏من ستر‏)‏ أي غطى ‏(‏على مؤمن من عورة‏)‏ في بدنه أو عرضه أو ماله حسية أو معنوية ولو بنحو إعانته علي ستر دينه ‏[‏ص 149‏]‏ ‏(‏فكأنما أحيا ميتاً‏)‏ قيل‏:‏ ولعل وجهه أن مكشوف العورة يشبه الميت في كشف العورة وعدم الحركة فكما أن الميت يسر أهله بعود الحياة إليه فكذا من كانت عورته مكشوفة فسترت، ففيه تشبيه بديع واستعارة تبعية اهـ‏.‏ ولا يخفى تكلفه، ثم هذا فيمن لم يعرف بأذى الناس ولم يتجاهر بالفساد وإلا ندب رفعه للحاكم ما لم يخف فتنة لأن الستر يقوّيه على فعله وكذا يقال في الخبر الآتي وإلى ذلك أشار حجة الإسلام حيث قال‏:‏ إنما يرجوه عبد مؤمن يستر على الناس عوراتهم واحتمل في حق نفسه تقصيرهم ولم يحرك لسانه بذكر مساوئهم ولم يذكرهم في غيبتهم بما يكرهونه لو سمعوه فهذا أجدر بأن يجازى بمثله في القيامة ومحله أيضاً في ذنب مضى وانقضى أما المتلبس به فتجب المبادرة بمنعه منه بنفسه أو بغيره كالحاكم حيث لم يخف مفسدة به أو بغيره من كل معصوم وليس في الحديث ما يقتضي ترك الإنكار عليه فيما بينه وبينه أيضاً‏.‏

<تنبيه> إظهار السر كإظهار العورة فكما يحرم كشفها يحرم إفشاؤها وكتمان الأسرار قد تطابق على الأمر به الملل وقد قالوا‏:‏ صدور الأحرار قبور الأسرار‏.‏ وقيل‏:‏ قلب الأحمق في فيه ولسان العاقل في قلبه‏.‏ وقيل لبعضهم‏:‏ كيف أنت في كتم السر قال‏:‏ أستره وأستر أني أستره‏.‏

- ‏(‏طب والضياء‏)‏ المقدسي ‏(‏عن شهاب‏)‏ ورواه الطبراني في الأوسط عن مسلمة بن مخلد قال رجاء بن حيوة‏:‏ سمعت مسلمة بن مخلد يقول‏:‏ بينا أنا على مصر فأتى البواب فقال‏:‏ إن أعرابياً بالباب يستأذن فقلت‏:‏ من أنت قال‏:‏ جابر بن عبد اللّه فأشرفت عليه فقلت‏:‏ أنزل إليك أو تصعد قال‏:‏ لا تنزل ولا أصعد حديث بلغني أنك ترويه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في ستر المؤمن جئت أسمعه قلت‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وآله وسلم يقول فذكره لكنه قال‏:‏ فكأنما أحيا موءودة فضرب بعيره راجعاً‏.‏

8741 - ‏(‏من ستر أخاه المسلم في الدنيا‏)‏ في قبيح فعله وقوله ‏(‏فلم يفضحه‏)‏ بأن اطلع منه على ما يشينه في دينه أو عرضه أو ماله أو أهله فلم يهتكه ولم يكشفه بالتحدث ولم يرفعه الحاكم بالشرط المار ‏(‏ستره اللّه يوم القيامة‏)‏ أي لم يفضحه على رؤوس الخلائق بإظهار عيوبه وذنوبه بل يسهل حسابه ويترك عقابه لأن اللّه حيي كريم وستر العورة من الحياء والكرم ففيه تخلق بخلق اللّه واللّه يحب التخلق بأخلاقه، ودعى عثمان إلى قوم على ريبة فانطلق ليأخذهم فتفرقوا فلم يدركهم فأعتق رقبة شكراً للّه تعالى أن لا يكون جرى على يديه خزي مسلم‏.‏

- ‏(‏حم عن رجل‏)‏ من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقضية تصرف المصنف أن ذا مما لم يخرج في أحد الصحيحين وليس كذلك بل هو في البخاري في المظالم والإكراه ومسلم في الأدب ولفظهما من ستر مسلماً ستره اللّه يوم القيامة ولفظ البخاري من ستر على مسلم إلخ فليس فيما آثره إلا زيادة قوله في الدنيا وهو صفة كاشقة فليس بعذر في العدول عما في الصحيحين عندهم وممن رواه أيضاً من الستة الترمذي في الحدود عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ ستره اللّه في الدنيا والآخرة وكذا أبو داود والنسائي في الرجم فضرب المؤلف عن ذلك كله صفحاً واقتصاره على أحمد غير جيد على أن فيه عند أحمد مع كون صحابيه مجهولاً مسلم بن أبي الدبال عن أبي سنان المدني قال الهيثمي‏:‏ ولم أعرفهما وبقية رجاله ثقات‏.‏

8742 - ‏(‏من سره‏)‏ أي أفرحه والفرح كيفية نفسانية تحصل من حركة الروح التي هي القلب إلى خارج قليلاً قليلاً ‏(‏أن يكون أقوى‏)‏ في رواية أكرم ‏(‏الناس‏)‏ في جميع أموره وسائر حركاته وسكناته ‏(‏فليتوكل على اللّه‏)‏ لأنه إذا قوي توكله قوي قلبه وذهبت مخافته ولم يبال بأحد ‏{‏ومن يتوكل على اللّه فهو حسبه‏}‏ وكفى به حسيباً، ‏{‏أليس اللّه بكاف عبده‏}‏ وليس في الحديث ما يقتضي ترك الاكتساب بل يكتسب مفوضاً مسلماً متوكلاً على الكريم الوهاب معتمداً عليه طالباً منه غير ملاحظ لتسبب معتقداً أنه لا يعطي ويمنع إلا اللّه فلا يركن إلى سواه ولا يعتمد بقلبه على غيره، قال الغزالي‏:‏ طالب ‏[‏ص 150‏]‏ الكفاية من غيره هو التارك للتوكل وهو المكذب بهذه الآية فإن سؤاله في معرض الاستنطاق بالحق ولما أحكم أبناء الآخرة هذه الخصلة وأعطوها حقها تفرغوا للعبادة وتمكنوا من التفرد من الخلق والسياحة واقتحام الفيافي واستيطان الجبال والشعاب فصاروا أقوياء العباد ورجال الدين وأحرار الناس وملوك الأرض بالحقيقة يسيرون حيث شاؤوا وينزلون حيث أرادوا لا عائق لهم ولا حاجز دونهم وكل الأماكن لهم واحد وكل الأزمان عندهم واحد، قال الخواص‏:‏ ولو أن رجلاً توكل على اللّه بصدق نية لاحتاج إليه الأمراء ومن دونهم، وكيف يحتاج ومولاه الغني الحميد‏؟‏‏.‏

- ‏(‏ابن أبي الدنيا‏)‏ أبو بكر ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏التوكل عن ابن عباس‏)‏ رمز لحسنه ورواه بهذا اللفظ الحاكم والبيهقي وأبو يعلى وإسحاق وعبد بن حميد والطبراني وأبو نعيم كلهم من طريق هشام بن زياد بن أبي المقدام عن محمد القرطبي عن ابن عباس قال البيهقي‏:‏ في الزهد تكلموا في هشام بسبب هذا الحديث‏.‏

8743 - ‏(‏من سره‏)‏ من السرور وهو انشراح الصدر بلذة فيها طمأنينة النفس عاجلاً وذلك في الحقيقة إنما يكون إذا لم يخف زواله ولا يكون إلا فيما يتعلق بالأمور الأخروية قال‏:‏

أشد الغم عندي في سرور * تيقن عنه صاحبه ارتحالا

‏(‏أن يستجيب اللّه له عند الشدائد والكرب‏)‏ بضم الكاف وفتح الراء جمع كربة وهي غم يأخذ بالنفس لشدته ‏(‏فليكثر الدعاء في الرخاء‏)‏ أي في حال الرفاهية والأمن والعافية لأن من شيمة المؤمن الشاكر الحازم أن يريش السهم قبل الرمي ويلتجئ إلى اللّه قبل الاضطرار بخلاف الكافر الشقي والمؤمن الغبي ‏{‏وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه ثم إذا خوّله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل للّه أنداداً‏}‏ فتعين على من يريد النجاة من ورطات الشدائد والغموم أن لا يغفل بقلبه ولسانه عن التوجه إلى حضرة الحق تقدس بالحمد والابتهال إليه والثناء عليه إذ المراد بالدعاء في الرخاء كما قاله الإمام الحليمي دعاء الثناء والشكر والاعتراف بالمنن وسؤال التوفيق والمعونة والتأييد والاستغفار لعوارض التقصير فإن العبد وإن جهد لم يوف ما عليه من حقوق اللّه بتمامها ومن غفل عن ذلك ولم يلاحظه في زمن صحته وفراغه وأمنه كان صدق عليه قوله تعالى ‏{‏فإذا ركبوا في الفلك دعوا اللّه مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون‏}‏‏.‏

- ‏(‏ت ك عن أبي هريرة‏)‏ قال الحاكم‏:‏ صحيح وأقره الذهبي‏.‏

8744 - ‏(‏من سره أن يحب اللّه ورسوله‏)‏ أي من سره أن يزداد من محبة اللّه ورسوله ‏(‏فليقرأ‏)‏ القرآن نظراً ‏(‏في المصحف‏)‏ وهذا بناء على ما هو المتبادر أن فاعل يحب العبد وقال بعض موالي الروم‏:‏ فاعل يحب لفظ الجلالة والرسول أي من سره أن يحبه اللّه ورسوله إلخ وذلك لأن في القراءة نظر زيادة ملاحظة للذات والصفات فيحصل من ذلك زيادة ارتباط توجب زيادة المحبة وكان بعض مشايخ الصوفية إذا سلك مريداً أشغله بذكر الجلالة وكتبها له في كفه وأمره بالنظر إليها حال الذكر قالوا‏:‏ هذا أول شيء يرفع كما قاله عبادة بن الصامت ويبقى بعده على اللسان حجة، فيتهاون الناس فيه حتى نذهب بذهاب حملته ثم تقوم الساعة على شرار الناس وليس فيهم من يقول اللّه اللّه‏.‏

- ‏(‏حل هب عن ابن مسعود‏)‏ ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه فإنه إنما ذكره مقروناً ببيان حاله فقال عقبه‏:‏ هكذا يروى هذا الإسناد مرفوعاً وهو منكر تفرد به أبو سهل الحسن بن مالك عن شعبة اهـ وفيه الحر بن مالك العنبري قال في الميزان‏:‏ أتى بخبر باطل ثم ساق هذا الخبر وقال‏:‏ إنما اتخذت المصاحف بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم قال في اللسان‏:‏ وهذا التعليل ضعيف ففي الصحيحين نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو وما المانع أن يكون اللّه أطلع نبيه صلى اللّه عليه وسلم على أن صحبه يتخذون المصاحف‏؟‏ لكن الحر مجهول الحال‏.‏

‏[‏ص 151‏]‏ 8745 - ‏(‏من سره أن يجد حلاوة‏)‏ وفي رواية لأبي نعيم طعم ‏(‏الإيمان‏)‏ استعار الحلاوة المحسوسة للكمالات الإيمانية العقلية بقرينة إضافتها الى الإيمان بجامع الالتذاذ بكل منهما ‏(‏فليحب المرء لا يحبه‏)‏ لشيء ‏(‏إلا للّه‏)‏ أي لا يحبه إلا لأجل اللّه لا لغرض آخر كإحسان وإنما قال حلاوة الإيمان لأن أصل الإيمان الذي هو التصديق لا يتوقف على تلك المحبة والمراد الحب العقلي الذي هو موجب إيثار ما يقتضي العقل ورجحانه وإن كان على خلاف الهوى كحب المريض للدواء لا الحب الطبيعي إذ ‏{‏لا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها‏}‏‏.‏

- ‏(‏حم ك‏)‏ من حديث شعبة عن أبي بلح ‏(‏عن أي هريرة‏)‏ قال الحاكم‏:‏ صحيح واحتج مسلم بأبي بلح قال الذهبي‏:‏ قلت لم لا يحتج به وقد وثق وقال البخاري‏:‏ فيه نظر اهـ وقال الحافظ العراقي في أماليه‏:‏ حديث أحمد صحيح وهو من غير طريق الحاكم‏.‏

8746 - ‏(‏من سره أن يسلم‏)‏ من السلامة لا من الإسلام أي من سره أن يسلم في الدنيا من أذى الخلق وفي الآخرة من عقاب الحق ‏(‏فليلزم الصمت‏)‏ عما لا يعنيه ولا منفعة فيه ليسلم من الزلل ويقل حسابه لأن خطر اللسان عظيم وآفاته كثيرة ولسلامة اللسان حلاوة في القلب وعليها بواعث من الطبع والشيطان وليس يسلم من ذلك كله إلا بتقييده بلجام الشرع، قال الغزالي‏:‏ ومن آفات اللسان الخطأ والكذب والنميمة والغيبة والرياء والنفاق والفحش والمراء وتزكية النفس والخصومة والفضول والخوض في الباطل والتحريف في الزيادة والنقص وإيذاء الخلق وهتك العورات وغير ذلك‏.‏

- ‏(‏هب‏)‏ وكذا أبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏ وابن أبي الدنيا ‏(‏عن أنس‏)‏ قال الزين العراقي كالمنذري‏:‏ إسناده ضعيف وذلك لأن فيه محمد بن إسماعيل بن أبي فديك قال ابن أبي فديك‏:‏ قال ابن سعد‏:‏ ليس بحجة وقال الهيثمي‏:‏ فيه عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي وهو متروك وقال الذهبي في الضعفاء‏:‏ تركوه وفي الميزان‏:‏ عن الأزدي عمر الوقاصي منكر الحديث وعن أبي حاتم مجهول وله حديث باطل وساق هذا الخبر‏.‏

8747 - ‏(‏من سره أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسن‏)‏ بن علي أحد الريحانتين فإنه سيدهم وأهل الجنة كلهم شباب كما دل عليه خبر أهل الجنة جرد مرد لا يفنى شبابهم ولا يصح إضافة الشباب إليهم إلا بجعل الإضافة للبيان كقوله تعالى ‏{‏من بهيمة الأنعام‏}‏ وفي رواية الحسين بدل الحسن‏.‏

- ‏(‏ع عن جابر‏)‏ بن عبد اللّه رمز المصنف لصحته وليس بمسلم ففيه الربيع بن سعد الجعفي قال في الميزان‏:‏ كوفي لا يكاد يعرف ثم أورد هذا الخبر مما خرجه أبو يعلى وابن حبان‏.‏

8748 - ‏(‏من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى‏)‏ ابن مريم ‏(‏فلينظر إلى أبي ذر‏)‏ الغفاري فإنه في مزيد التواضع ولين الجانب وخفض الجناح وكف النفس عن الشهوات يقرب من عيسى الذي كان في ذلك على غاية الكمال ونهاية التمام وفي رواية لابن عساكر أن أبا ذر يباري عيسى ابن مريم في عبادته، أخرج أيضاً أن جبريل كان عند النبي صلى اللّه عليه وسلم فأقبل أبو ذر فقال‏:‏ هذا أبو ذر قال‏:‏ وتعرفه قال‏:‏ هو في أهل السماء أعرف منه في أهل الأرض، وأفادت هذه الأحاديث أن أبا ذر تواضعه حقيقي لا يمازجه رياء ولا يشوبه سفه وأنه عند إلهه سبحانه وتعالى بحال الرضا لتشبيهه بروح اللّه الذي حاز قصب السبق في إظهار المسكنة والافتقار للواحد القهار‏.‏

- ‏(‏ع عن أبي هريرة‏)‏ رمز لحسنه ورواه أحمد بلفظ من أحب أن ينظر إلى تواضع عيسى ابن مريم إلى ربه وصدقه وجده فلينظر إلى أبي ذر قال الهيثمي‏:‏ رجاله وثقوا والبزار عن أبي مسعود بلفظ‏:‏ من سره أن ينظر إلى شبيه عيسى خلقاً وخلقاً فلينظر إلى ‏[‏ص 152‏]‏ أبي ذر قال الهيثمي‏:‏ رجاله ثقات‏.‏

8749 - ‏(‏من سره أن يتزوّج امرأة من أهل الجنة فليتزوّج‏)‏ السيدة الفاضلة الجليلة حاضنة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ‏(‏أمّ أيمن‏)‏ بركة الحبشية كان ورثها من أبيه وزوّجها من زيد بن حارثة فولدت له أسامة وهي التي دخل عليها أبو بكر وعمر بعد موت النبي صلى اللّه عليه وسلم وهي تبكي فقالا‏:‏ ما يبكيك فما عند اللّه خير لنبيه قالت‏:‏ إني لأعلم ذلك وإنما أبكي لانقطاع خبر السماء فهيجتهما على البكاء فبكيا، وهذا الحديث يلحق أمّ أيمن بالعشرة المبشرة بالجنة فإنه كما شهد لهم بها شهد لها بها فصار دخولها إياها مقطوعاً به، والمراد بالعموم في قوله من سره أن يتزوج إلخ ترغيب المؤمنين في أن يتزوّجها واحد منهم فإن مات عنها أو فارقها تزوّجها غيره وهكذا محبة فيها لكونها من أهل الجنة فإذا مات يكون معها في الجنة لأن المرء مع من أحب‏.‏

- ‏(‏ابن سعد‏)‏ في الطبقات ‏(‏عن سفيان بن عقبة مرسلاً‏)‏ هو أخو قبيصة الكوفي قال الذهبي‏:‏ صدوق‏.‏

8750 - ‏(‏من سره أن ينظر إلى امرأة‏)‏ أي يتأمّلها بعين بصيرته لا ببصره فإنه إلى الأجنبية حرام أو أن ذلك قبل نزول الحجاب أو وهي ملتفة بإزارها أو المخاطب بذلك جماعة النسوة والمحارم فلا يقال النظر إلى الأجنبية حرام ‏(‏من الحور العين‏)‏ أي إلى امرأة كأنها من الحور من حيث الكمال والجمال وكونها من أهل الجنة ‏(‏فلينظر إلى أمّ رومان‏)‏ بنت عامر بن عويمر الكنانية على ما في التجريد أو بنت سبع بن دهمان على ما في الفردوس وهي زوج أبي بكر الصديق وأمّ عائشة وعبد الرحمن صحابية كبيرة الشأن واسمها زينب وقيل دعد، وزعم الواقدي ومن تبعه أنها ماتت في حياة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم سنة سبع أو أربع أو خمس ونزل المصطفى صلى اللّه عليه وآله وسلم قبرها واستغفر لها وجزم به الذهبي في التجريد لكن قال ابن حجر‏:‏ الصحيح أنها عاشت بعده وبكونها زوجة الصدّيق يعلم خبط بعض موالي الروم حيث قال في محل إشكال النظر إليها قال في الفردوس‏:‏ وهي بنت سبيع بن دهمان زوج أبي بكر أمّ عائشة‏.‏

- ‏(‏ابن سعد‏)‏ في طبقاته ‏(‏عن القاسم بن محمد مرسلاً‏)‏ قضية تصرف المصنف أنه لم يقف عليه مسنداً لأحد وهو ذهول فقد خرجه أبو نعيم والديلمي من حديث أمّ سلمة قالت‏:‏ لما دفنت أمّ رومان قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من سره إلخ وعلى هذا فأمّ رومان ماتت في زمن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم‏.‏

8751 - ‏(‏من سرته حسنته‏)‏ لكونه راجياً ثوابها مؤقناً بنفعها ‏(‏وساءته سيئته فهو مؤمن‏)‏ أي كامل الإيمان لأن من لا يرى للحسنة فائدة ولا للمعصية آفة فذلك يكون من استحكام الغفلة على قلبه فإيمانه ناقص بل ذلك يدل على استهانته بالدين فإنه يهون عظيماً ويغفل عما لا يغفل اللّه عنه والمؤمن يرى ذنبه كالجبل والكافر يراه كذباب مر على أنفه فالمؤمن البالغ الإيمان يندم على خطيئته ويأخذه القلق كاللديغ لإيقانه بخبر الآخرة وشرها بخلاف غير الكامل فإنه لا ينزعج لذلك لتراكم الظلمة في صدره وعلى قلبه فيحجبه عن ذلك، ولهذا قال ابن مسعود فيما خرّجه الحكيم الترمذي بأن المؤمن إذا أذنب فكأنه تحت صخرة يخاف أن تقع عليه فتقتله والمنافق ذنبه كذباب مر على أنفه فعلامة المؤمن أن توجعه المعصية حتى يسهر ليله فيما حل بقلبه من وجع الذنب ويقع في العويل كالذي فارق محبوبه من الخلق بموت أو ‏[‏ص 153‏]‏ غيره فيتفجع لفراقه فيقع في النحيب فالمؤمن الكامل إذا أذنب يحل به أكثر من المصاب لحجبه عن ربه ومن أشفق من ذنوبه فكان على غاية الحذر منها لا يرجو لغفرها سوى ربه فهو يقبل على اللّه وهو الذي أراده اللّه من عباده ليتوب عليهم ويجزل ثوابهم، نعم السرور بالحسنة مقيد في أخبار أخر بأن شرطه ألا ينتهي إلى العجب بها فيسر بما يرى من طاعته فيطمئن إلى أفعاله فيكون قد انصرف عن اللّه إلى نفسه العاجزة الحقيرة الضعيفة الأمّارة اللوامة فيهلك، ولهذا قال بعض العارفين‏:‏ ذنب يوصل العباد إلى اللّه تعالى خير من عبادة تصرفه عنه وخطيئة تفقره إلى اللّه خير من طاعة تغنيه عن اللّه‏.‏

‏(‏تتمة‏)‏ قال الراغب‏:‏ من لا يخوفه الهجاء ولا يسره الثناء لا يردعه عن سوء الفعال إلا سوط أو سيف وقيل من لم يردعه الذمّ عن سيئة ولم يستدعه المدح الى حسنة فهو جماد أو بهيمة وليس الثناء في نفسه بمحمود ولا مذموم وإنما يحمد ويذم بحسب المقاصد‏.‏

- ‏(‏طب عن أبي موسى‏)‏ رمز المصنف لحسنه وليس كما قال، فقد قال الهيثمي‏:‏ فيه موسى بن عتيك وهو هالك في الضعف نعم رواه الطبراني عن أبي أمامة باللفظ المذكور قال الهيثمي‏:‏ ورجاله رجال الصحيح اهـ فعدول المصنف عن الطرق الصحيحة واقتصاره على الضعيفة من سوء التصرف ثم ظاهر صنيعه أيضاً أن ذا لم يخرج في أحد دواوين الإسلام الستة وإلا لما عدل عنه وهو ذهول فقد خرجه النسائي في الكبرى باللفظ المزبور عن عمر فساق بإسناده إلى جابر بن سمرة أن عمر خطب الناس فقال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من سرته إلى آخر ما هنا قال الحافظ العراقي في أماليه‏:‏ صحيح على شرط الشيخين وأخرجه أحمد في المسند بلفظ من ساءته سيئته وسرته حسنته فهو مؤمن قال أعني العراقي‏:‏ حديث صحيح اهـ‏.‏

8752 - ‏(‏من سعى بالناس‏)‏ أي وشى بهم إلى سلطان أو جائر ليؤذيهم وفي تعبيره بالناس إشعار بأن الكلام فيمن دأبه ذلك وعادته ‏(‏فهو لغير رشده أو فيه شيء منه‏)‏ أي من غير الرشد لأن العاقل الرشيد الكامل السعيد لا يتسبب إلى إيذاءه الناس بلا سبب قال بعض الحنفية‏:‏ وإذا كان الساعي عادته السعي وإضاعة أموال الناس فعليه الضمان وإلا فلا، قال الراغب‏:‏ والرشد عناية إلهية تعين الإنسان عند توجهه في أموره فتقويه على ما فيه صلاحه وتفتره عما فيه فساده وأكثر ما يكون ذلك من الباطن نحو قوله تعالى ‏{‏ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين‏}‏ وكثيراً ما يكون ذلك بتقوية العزم أو بفسخه‏.‏

- ‏(‏ك عن أبي موسى‏)‏ الأشعري قال الحاكم‏:‏ له أسانيد هذا أمثلها وتعقبه الحافظ العراقي بأن فيه سهل بن عطية قال فيه ابن طاهر في التذكرة‏:‏ منكر الرواية قال‏:‏ والحديث لا أصل له‏.‏

8753 - ‏(‏من سكن البادية جفا‏)‏ أي غلظ قلبه وقسا فلا يرق لمعروف كبرّ وصلة رحم لبعده عن العلماء وقلة اختلاطه بالفضلاء فصار طبعه طبع الوحش قال القاضي‏:‏ وأصل التركيب للنبو عن الشيء ‏(‏ومن اتبع الصيد غفل‏)‏ لحرصه الملهي عن الترحم والرقة أو لأنه إذا اهتم به غفل عن مصالحه أو لشبهه بالسباع وانجذابه عن الرقة، قال الحافظ ابن حجر‏:‏ يكره ملازمة الصيد والإكثار منه لأنه قد يشغل عن بعض الواجبات وكثير من المندوبات ودليله هذا الحديث وقال ابن المنير‏:‏ الاشتغال بالصيد لمن عيشه به مشروع ولمن عرض له وعيشه بغيره مباح وأما التصيد لمجرد اللهو فهو محل النهي ‏(‏ومن أتى السلطان افتتن‏)‏ لأنه إن وافقه في مرامه فقد خاطر بدينه وإن خالفه فقد خاطر بروحه ولأنه يرى سعة الدنيا فيحتقر نعمة اللّه عليه وربما استخدمه فلا يسلم من الإثم في الدنيا والعقوبة في العقبى‏.‏

<تنبيه> قال ابن تيمية‏:‏ فيه أن سكنى الحاضرة يقتضي من كمال الإنسان في رقة القلب وغيرها ما لا تقتضيه سكنى البادية فهذا الأصل موجب كون جنس الحاضرة أفضل من جنس البادية وقد يتخلف المقتضي لمانع‏.‏

- ‏(‏حم 3 عن ابن عباس‏)‏ فيه من طريق الأربعة ‏[‏ص 154‏]‏ أبو موسى لا يعرف البتة قال ابن القطان‏:‏ وقول الدولابي أبو موسى الثمالي لا يخرجه عن الجهالة وقال الكرابيسي‏:‏ حديثه ليس بالقائم وقول الترمذي حسن مبني على رأي من لا يبغي على الإسلام مزيداً، نعم له عند البزار سند حسن‏.‏

8754 - ‏(‏من سل سيفه‏)‏ فقاتل به الكفار ‏(‏في سبيل اللّه‏)‏ امتثالاً لقوله تعالى ‏{‏فاقتلوا المشركين‏}‏ وغيرها من الآيات ‏(‏فقد بايع اللّه‏)‏ إما من البيع لقوله تعالى ‏{‏إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة‏}‏ وإما من البيعة لقوله تعالى ‏{‏إن الذين يبايعونك إنما يبايعون اللّه‏}‏ والمعنى على كلا التقديرين من حارب الكفار لإعلاء كلمة اللّه فقد بذل نفسه التي هي أحب الأشياء إليه ولا أحد أنفس ممن بذل نفس ما عنده فيكون في أرفع منازل الجنان وناهيك بذلك فضلاً وورد في غير ما خبر أن اللّه يباهي بسيف الغازي وسلاحه، قال في المطامح‏:‏ وإذا باهى اللّه بعبد لم يعذبه أبداً وخص السيف بالذكر لأن استعماله في القتال أغلب لا لإخراج غيره فكل من جاهد الكفار بقوس أو رمح أو حجر أو غير ذلك كذلك‏.‏

- ‏(‏ابن مردويه‏)‏ في التفسير ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏‏.‏

8755 - ‏(‏من سل علينا السيف‏)‏ أي أخرجه من غمده لإضرارنا ‏(‏فليس منا‏)‏ حقيقة إن استحل ذلك وإلا فمعناه ليس من العاملين على طريقتنا المتبعين لارشادنا الدلالة الشقاق على النفاق وخرج بقوله علينا حمله لنا لنحو حراسة أو دفع عدو‏.‏

- ‏(‏حم م‏)‏ في الإيمان ‏(‏عن سلمة بن الأكوع‏)‏ قالوا تفرد به مسلم‏.‏

8756 - ‏(‏من سلك طريقاً‏)‏ حسية أو معنوية ونكره ليتناول أنواع الطريق الموصلة إلى تحصيل أنواع العلوم الدينية ‏(‏يلتمس‏)‏ حال أو صفة أي يطلب فاستعار له اللمس وهي رواية ‏(‏فيه‏)‏ أي في غايته أو سببه وإرادة الحقيقة في غاية البعد للندرة ‏(‏علماً‏)‏ نكره ليشمل كل علم وآلته ويندرج فيه ما قل وكثر وتقييده بقصد وجه اللّه به لا حاجة إليه لاشتراطه في كل عبادة لكن يعتذر لقائله هنا بأن تطرق الرياء للعلم أكثر فاحتيج للتنبيه على الإخلاص وظاهر قوله يلتمس أنه لا يشترط في حصول الجزاء الموعود به حصوله فيحصل إذا بذل الجهد بنية صادقة وإن لم يحصل شيئاً لنحو بلادة ‏(‏سهل اللّه له به‏)‏ أي بسببه ‏(‏طريقاً‏)‏ في الآخرة أو في الدنيا بأن يوفقه للعمل الصالح ‏(‏إلى الجنة‏)‏ أي إلى السلوك المفهوم من سلك ذكره بعضهم وقال الطيبي‏:‏ الضمير في به عائد إلى من والباء للتعدية أي يوفقه أن يسلك طريق الجنة قال‏:‏ ويجوز رجوع الضمير إلى العلم والباء سببية والعائد إلى من محذوف والمعنى سهل اللّه له بسبب العلم طريقاً من طرق الجنة وذلك لأن العلم إنما يحصل بتعب ونصب وأفضل الأعمال أحزمها فمن تحمل المشقة في طلبه سهلت له سبل الجنة سيما إن حصل المطلوب، قال ابن جماعة‏:‏ والأظهر أن المراد أن يجازيه يوم القيامة بأن يسلك به طريقاً لا صعوبة له فيه ولا هول إلى أن يدخله الجنة سالماً، فأبان أن العلم ساعد السعادة وأس السيادة والمرقاة إلى النجاة في الآخرة والمقوم لأخلاق النفوس الباطنة والظاهرة فهو نعم الدليل والمرشد إلى سواء السبيل وتقديم الظرفين للإختصاص لأن تسهيل طريق الجنة خاص باللّه وغيره في مقابلته كالعدم لأنه في حقه غير مفيد وكذا بالنسبة لسببه فإن غير هذا السبب من أسباب التسهيل كالعدم لأنه أقوى الأسباب المسهلة وفيه حجة باهرة على شرف العلم وأهله في الدنيا والآخرة لكن الكلام في العلم النافع لأنه الذي يترتب عليه الجزاء المذكور كما تقرر‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في العلم ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ رمز لحسنه وقضية صنيع المؤلف أن هذا مما لم يخرج في أحد الصحيحين وإلا لما عدل للترمذي مقتصراً وهو عجب من هذا الإمام المطلع فقد خرجه مسلم بلفظه إلا أنه قال بدل يلتمس يطلب وما أراه إلا ذهل عنه‏.‏

‏[‏ص 155‏]‏ 8757 - ‏(‏من سلم على قوم‏)‏ أي بدأهم بالسلام بدلالة السياق ‏(‏فقد فضلهم‏)‏ أي زاد عليهم في الفضل ‏(‏بعشر حسنات‏)‏ لأنه ذكرهم السلام وأرشدهم إلى ما شرع لإظهار الأمان بين الأنام وأولى الناس باللّه ورسوله من بدأهم بالسلام كما في حديث آخر وفيه أن ابتداء السلام وإن كان سنة أفضل من ردّه وإن كان واجباً وزاد قوله ‏(‏وإن ردوا عليه‏)‏ أي ردّ عليه كل منهم إشارة إلى أن ما أتى به وحده أفضل من ردّ الجماعة أجمعين فإذا كانوا ثلاثة فردوا كلهم كان ما أتى به وحده يفضل على ما أتى به الكل بعشر حسنات وبهذا التقرير علم أن قول بعض موالي الروم قوله وإن ردوا عليه يشعر بأن ردّ السلام ليس بواجب وليس كذلك فلا بد من التأمل من قبيل الباطل كما لا يخفى على اللبيب الفاضل وقوله بقي في الحديث شيء وهو أن رد السلام من الأفعال الحسنة كالسلام فمن ردّه يحصل للمسلم فيلزم تساويهما في حصول عشر حسنات فكيف قوله من سلم على قوم فقد فضلهم بعشر حسنات وإن ردّوا عليه فلا بد عن دفعه من الغبار انتهى‏.‏ من قيل الهذيان كما لا يخفى على أهل هذا الشأن‏.‏

- ‏(‏عد‏)‏ من حديث رجاء بن وداع الراسبي عن غالب عن الحسن ‏(‏عن رجل‏)‏ قال غالب‏:‏ بينما نحن جلوس مع الحسن إذ جاء أعرابي بصوت له جهوري كأنه من رجال شنوءة فقال‏:‏ السلام عليكم حدثني أبي عن جدي قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فذكره قال ابن عدي‏:‏ لم يحضرني له غير هذا الحديث وضعفه‏.‏

8758 - ‏(‏من سمع المؤذن‏)‏ وفي رواية لأبي نعيم النداء بدل المؤذن ‏(‏فقال مثل ما يقول‏)‏ أي أجابه بمثل قوله إلا في الحيعلتين والتثويب كما سبق ‏(‏فله مثل أجره‏)‏ أي فله أجر كما للمؤذن أجر ولا يلزم منه تساويهما في الكم والكيف كما مر نظيره غير مرة‏.‏

- ‏(‏طب عن معاوية‏)‏ الخليفة رمز لحسنه قال الهيثمي‏:‏ هو من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين وهو ضعيف فيهم وقال المنذري‏:‏ متنه حسن وشواهده كثيرة‏.‏

8759 - ‏(‏من سمع‏)‏ بالتشديد أي من نوّه بعلمه وشهر ليراه الناس ويمدحوه ‏(‏سمع اللّه به‏)‏ أي شهره بين أهل العرصات وفضحه على روؤس الأشهاد وإنما سمى فعل المرائي سمعة ورياء لأنه يفعله ليسمع به ذكره القاضي وذكر نحوه البيضاوي، وقال النووي‏:‏ معنى هذا الحديث من راءى بعلمه وسمعه للناس ليكرموه ويعظموه فقد سمع اللّه به الناس وفضحه يوم القيامة لكونه فعله رياء وسمعة لا لأجل اللّه وقيل معناه من سمع بعيوب الناس أظهر اللّه عيوبه وقيل أسمعه المكروه وقيل أراه ثواب ذلك ولا يعطيه إياه ليكون حسرة عليه اهـ‏.‏ قال بعض موالي الروم‏:‏ وكل من هؤلاء القائلين خلط المسألتين في الحديث فالظاهر أنه لا كذلك وأن قوله من سمع سمع اللّه به مخصوص بالقول وقوله من راءى راءى اللّه به بالفعل وعليه فمعنى الأول من أمر الناس بالمعروف ونهاهم عن المنكر فإما أن يأمر نفسه بما أمر الناس به أو لا فإن كان الأول سمع اللّه به الناس بالخير يوم القيامة أي يعطى ثوابه ويدخله الجنة وإن كان الثاني سمع اللّه به الناس بالشر أي يظهر فضيحته يوم القيامة ويدخله النار إن لم يعف عنه ومعنى الثاني من فعل فعلاً حسناً وأراد الناس فإما أن تكون إرادته إياهم بنية خالصة بأن يرغبهم في ذلك الفعل الحسن ليحوزوا ثوابه أو ليكرموه ويعظموه فإن كان الأول أثيب عليه أو الثاني افتضح يوم القيامة، وحاصل المعنى أن من سمع سمع اللّه به إن خيراً فخير وإن شراً فشر ومن راءى راءى اللّه به إن خيراً فخير وإن شراً فشر ويدل عليه إطلاق الأفعال في الحديث مع ترك المفعول لكن يعكر عليه أن الرياء والسمعة مشهوران في الشرف فقط ‏(‏ومن راءى‏)‏ بعمله والرياء إظهار العبادة بقصد رؤية الناس لها فيحمدوا صاحبها ‏(‏راءى اللّه به‏)‏ أي بلغ مسامع خلقه أنه مراء مزور وأشهره بذلك بين خلقه وقرع به أسماعهم ليشتهر بأنه مراء فيفتضح بين الناس ذكره القاضي ‏[‏ص 156‏]‏ وقال الزمخشري‏:‏ السمعة أن يسمع الناس عمله وينوه به على سبيل الرياء يعني من نوه بعمله رياء وسمعة نوه اللّه بريائه وتسميعه وقرع به أسماع خلقه فتعارفوه وأشهروه بذلك فيفتضح اهـ قال ابن حجر‏:‏ ورد في عدة أحاديث التصريح بوقوع ذلك في الآخرة فهو المعتمد وفيه ندب إخفاء العمل الصالح قال ابن عبد السلام‏:‏ لكن يستثنى من يظهره ليقتدى به أو لينتفع به ككتابة العلم فمن كان إماماً يستن بعلمه عالماً بما للّه عليه قاهراً لشيطانه استوى ما ظهر من علمه وما خفي لصحة قصده والأفضل في حق غيره الإخفاء مطلقاً‏.‏

- ‏(‏حم م‏)‏ في آخر صحيحه ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ قضية تصرف المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو وهم فقد خرجه البخاري في الرقاق‏.‏

8760 - ‏(‏من سمى المدينة يثرب‏)‏ بفتح فسكون كانت سميت به باسم من يسكنها أولاً ‏(‏فليستغفر اللّه‏)‏ أي فليطلب منه المغفرة لما وقع فيه من الإثم ‏(‏هي طابة هي طابة‏)‏ لأن اليثرب الفساد والتثريب التوبيخ والمؤاخذة بالذنب واللوم ولا يليق بها ذلك، وظاهر أمره بالاستغفار أن تسميتها بذلك حرام لأن استغفارنا إنما هو عن خطيئة وهو ظاهر كلام جمع منهم الدميري قالوا‏:‏ وتسميتها في التنزيل حكاية لقول المنافقين أو من باب مخاطبة الناس بما يعرفونه اهـ‏.‏ والأكثر على الكراهة ولا ينافي الكراهة ما في الصحيحين في حديث الهجرة فإذا هي المدينة يثرب وفي رواية لا أراها إلا يثرب لأن ذلك كان قبل النهي كما ذكره السمهودي تبعاً لصحاح الجوهري‏.‏

- ‏(‏حم عن البراء‏)‏ بن عازب ورواه أيضاً أبو يعلى قال الهيثمي‏:‏ ورجاله ثقات اهـ وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ورده ابن حجر‏.‏

8761 - ‏(‏من سها في صلاته في ثلاث أو أربع فليتم فإن الزيادة خير من النقصان‏)‏ أخذ به الشافعية فقالوا‏:‏ من شك عمل بيقينه فيأخذ بالأقل وقالت الحنفية‏:‏ إن كان الشك ليس عادة له وجب البناء على المتيقن وإن كثر الشك منه وجب العمل بما يقع عليه التحري للزوم الحرج بتقدير الإلزام فإن لم يقع تحريه على شيء بنى على الأقل‏.‏

- ‏(‏ك‏)‏ في سجود السهو عن عمار بن مطر الرهاوي عن ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن كريب عن ابن عباس ‏(‏عن عبد الرحمن بن عوف‏)‏ رفعه قال الحاكم‏:‏ صحيح، ورده الذهبي فقال‏:‏ بل عمار تركوه‏.‏

8762 - ‏(‏من سود‏)‏ بفتح السين وفتح الواو المشددة بضبطه أي من كثر سواد قوم بأن ساكنهم وعاشرهم وناصرهم فهو منهم وإن لم يكن من قبيلتهم أو بلدهم ‏(‏مع قوم فهو منهم ومن روع‏)‏ بالتشديد بضبطه ‏(‏مسلماً لرضا سلطان جيء به يوم القيامة معه‏)‏ أي مقيداً مغلولاً مثله فيحشر معه ويدخل النار معه‏.‏

- ‏(‏خط عن أنس‏)‏ بن مالك‏.‏

8763 - ‏(‏من شاب شيبة في الإسلام‏)‏ وفي رواية في سبيل اللّه ‏(‏كانت له نوراً يوم القيامة‏)‏ أي يصير الشيب نفسه نوراً يهتدي به صاحبه ويسعى بين يديه في ظلمات الحشر إلى أن يدخله الجنة والشيب وإن لم يكن من كسب العبد لكنه إذا كان بسبب من نحو جهاد أو خوف من اللّه ينزل منزلة سعيه فيكره نتف الشيب من نحو لحية وشارب وعنفقة وحاجب وعذار للفاعل والمفعول به قال النووي‏:‏ ولو قيل يحرم لم يبعد‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في الجهاد ‏(‏عن كعب بن مرة‏)‏ البهزي صحابي نزل الأردن رمز لحسنه قال‏:‏ رأى حجام شيبة في لحية النبي صلى اللّه عليه وسلم فأهوى ليأخذها فأمسك النبي صلى اللّه عليه وسلم يده فذكره قال الترمذي‏:‏ حسن صحيح‏.‏

‏[‏ص 157‏]‏ 8764 - ‏(‏من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً‏)‏ يوم القيامة ‏(‏ما لم يغيرها‏)‏ بالسواد لا بغيره لورود الأمر بالتغيير بالغير وفي رواية أحمد ما لم يخضبها أو ينتفها وفي رواية لأبي الشيخ من شاب شيبة في سبيل اللّه كانت له نوراً تضيء ما بين السماء والأرض إلى يوم القيامة وفي الكبير والأوسط للطبراني من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة فقال له رجل‏:‏ فإن رجالاً ينتفون الشيب قال‏:‏ من شاء فلينتف نوره‏.‏

- ‏(‏الحاكم في‏)‏ كتاب ‏(‏الكنى‏)‏ والألقاب ‏(‏عن أم سليم‏)‏ بنت ملحان الأنصاري سهلة أو رميلة أو مليكة رمز لحسنه‏.‏

8765 - ‏(‏من شدد سلطانه بمعصية اللّه‏)‏ أي قوّي حجته وبرهانه بارتكاب محرم كأن أقام بينة زوراً أو نحوه مستعيناً ببعض الظلمة على خصمه ‏(‏أوهن اللّه كيده يوم القيامة‏)‏ أي أضعف تدبيره ورده خاسئاً إذ السلطان الحجة والبرهان أو هو من السلاطة والشدة بالفتح الحملة يقال شد على القوم في القتال شداً وشداداً أي حمل عليهم والمعنى من خرج على السلطان من البغاة وشق عصاه بمعصية اللّه أوهن اللّه كيده وعليه فالباء في بمعصية للملابسة حال من فاعل شدد أو معنى شدد قوي من الشدة بالكسر القوة والصلابة والمراد من قوي سلطانه أي إمامه الأعظم وأعانه على محرم كالظلم أضعفه اللّه فالباء بمعنى على أو في للملابسة حال من المفعول وأقرب الاحتمالات أولها‏.‏

- ‏(‏حم عن قيس بن سعد‏)‏ بن عبادة قال الهيثمي‏:‏ وفيه ابن لهيعة وبقية رجاله ثقات وقد رمز المؤلف لحسنه‏.‏

8766 - ‏(‏من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها‏)‏ أي من شربها حتى مات وفي كلمة ثم إشارة إلى أن تراخي التوبة لا يمنع قبولها ما لم يغرغر ‏(‏حرم منها‏)‏ بضم الحاء وبالتخفيف وفي رواية مسلم حرمها ‏(‏في الآخرة‏)‏ يعني حرم دخول الجنة إن لم يعف عنه إذ ليس ثم إلا جنة أو نار والخمر من شراب الجنة فإذا لم يشربها في الآخرة لا يدخلها لأن شربها مرتب على دخولها فكأنه قال من شربها لا يدخل الجنة أو المراد جزاؤه أن يحرم شربها في الآخرة عقوبة له وإن دخلها، كذا في المنضد ورجح واعترض بأنه يتألم بذلك والألم العقوبة والجنة ليست بدارها، وردّ بمنع تألمه لجواز نزع شهوتها منه واعترض بأنه إذا لم يتألم لا يكون منعها جزاء فلا يرتدع عنه في الدنيا والحديث ورد لذلك ومنع بأنه إذا لم يتألم لا يلتذ بها أيضاً وكفى به جزاء‏.‏

- ‏(‏حم ق ن ه عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب ولفظ رواية مسلم من شرب الخمر في الدنيا فلم يتب منها حرمها في الآخرة فلم يسقها وخرج بقوله لم يتب ما لو تاب فلا يدخل في هذا الوعيد وفيه أن التوبة من الذنب مكفرة له وبه صرح الكتاب والسنة، قال القرطبي‏:‏ وهو مقطوع به في الكفر أما غيره فهل هو مقطوع أو مظنون‏؟‏ قولان والذي أقوله أن من استقرأ الشريعة قرآناً وسنة علم القطع واليقين أن اللّه يقبل توبة الصادقين‏.‏

8767 - ‏(‏من شرب الخمر أتى عطشان يوم القيامة‏)‏ وذلك لأن الخمر تدفع العطش فلما شربها مع تحريمها عليه في الدنيا فقد استعجل ما يدفع العطش فيحرم منها يوم القيامة جزاءاً وفاقاً ومن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه فيا لها من حسرة وندامة حيث باع أنهاراً من خمرة لذة للشاربين بشراب نجس مذهب للعقل مفسد للدنيا والدين، وبقيته عند أحمد من حديث قيس ألا كل مسكر حرام‏.‏

- ‏(‏حم‏)‏ وكذا أبو يعلى ‏(‏عن قيس بن سعد‏)‏ بن عبادة ‏(‏و‏)‏ عن ‏(‏ابن عمرو‏)‏ ابن العاص رمز المصنف لحسنه قال الزين العراقي‏:‏ فيه من لم يسم وقال تلميذه الهيثمي‏:‏ فيه من لم أعرفهم‏.‏

8768 - ‏(‏من شرب خمراً‏)‏ مختاراً ‏(‏خرج نور الإيمان من جوفه‏)‏ فالخارج بعض نوره لا كماله ولفظ رواية الطبراني ‏[‏ص 158‏]‏ أخرج اللّه نور الإيمان إلخ‏.‏

- ‏(‏طس‏)‏ من رواية أبي عثمان الطنبدي ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال الزين العراقي في شرح الترمذي‏:‏ إسناده ضعيف، وقال الهيثمي‏:‏ فيه من لم أعرفهم، وقال المنذري‏:‏ ضعيف وبه يعرف ما في رمز المؤلف لحسنه‏.‏

8769 - ‏(‏من شرب مسكراً ما كان‏)‏ أي أي شيء كان سواء كان خمراً وهو المتخذ من العنب أو نبيذاً وهو المتخذ من غيره ‏(‏لم يقبل اللّه له صلاة أربعين يوماً‏)‏ زاد أحمد فإن مات مات كافراً وخص الصلاة لأنها أفضل عبادات البدن فإن لم تقبل فغيرها أولى وخص الأربعين لأن الخمر يبقى في جوف الشارب وعروقه وأعصابه تلك المدة فلا تزول بالكلية غالباً إلا فيها قال ابن العربي‏:‏ وقوله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً تعلقت به وبأمثاله الصوفية على قولهم إن البدن يبقى أربعين يوماً لا يطعم ولا يشرب لاجتزائه بما تقدم من غذائه لهذه المدة بما يقتضيه فضيله وتوجيه ميراثه، وقالت الغالية منهم‏:‏ إن موسى لما تعلق باله بلقاء ربه نسي نفسه واشتغل بربه فلم يخطر له طعام ولا شراب على بال وذلك على اللّه غير عزيز وورد به خبر وإلا فتعين الجائزات من غير خبر من اللّه تعدى على دينه‏.‏

- ‏(‏طب عن السائب بن يزيد‏)‏ وفيه يزيد بن عبد الملك النوفلي وهو متروك وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه وقضية تصرف المصنف حيث عدل للطبراني واقتصر عليه أنه لم يره مخرجاً في شيء من دواوين الإسلام الستة وهو ذهول فقد خرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه في الأشربة الأول عن ابن عمرو بن العاص الكل مرفوعاً بلفظ من شرب الخمر لم يقبل اللّه له صلاة أربعين صباحاً فإن تاب تاب اللّه عليه هذا لفظهم ثم زادوا فيه بعده‏.‏

8770 - ‏(‏من شرب بصقة من خمر‏)‏ أي شيئاً قليلاً بقدر ما يخرج من الفم من البصاق ‏(‏فاجلدوه ثمانين‏)‏ إن كان حراً ومن فيه رق عليه نصب حد الحر وقد بين به أن ما أسكر كثيره حرم قليله وإن كان قطرة واحدة وحدّ شاربه وإن لم يتأثر من ذلك، وقد استدل به من ذهب إلى أن حد الخمر ثمانون وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحد قولي الشافعي واختاره ابن المنذر والقول الآخر للشافعي أنه أربعون وهو المشهور وجاء عن أحمد كالمذهبين وظاهر الحديث أن الشارب ليس حده إلا ما ذكر وإن تكرر منه الشرب لكن في حديث في السنن قال ابن حجر‏:‏ بطرق أسانيدها قوية أنه يقتل في المرة الرابعة ونقل الترمذي الإجماع على ترك القتل وهو محمول على من بعد من نقل غيره عنه القول به كعبد اللّه بن عمرو وبعض الظاهرية قال النووي‏:‏ وهو قول باطل مخالف لإجماع الصحابة فمن بعدهم والحديث الوارد فيه منسوخ إما بحديث لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث وإما بأن الإجماع دل على نسخه قال الحافظ‏:‏ قلت بل دليل النسخ منصوص وهو ما خرجه أبو داود والشافعي من طريق الزهري عن قبيصة قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من شرب الخمر فاجلدوه إلى أن قال فإذا شرب في الرابعة فاقتلوه قال‏:‏ فأتي برجل قد شرب فجلد ثم أتي به في الرابعة قد شرب فجلده ثم أتي به فجلد ثم أتي به فجلده فرفع القتل عن الناس فكان رخصة اهـ ثم قال الحافظ‏:‏ وقد استقر الإجماع على أن لا قتل فيه قال‏:‏ وحديث قبيصة على شرط الصحيح لأن إيهام الصحابي لا يضر وله شواهد منها عند النسائي وغيره عن جابر فإن عاد الرابعة فاضربوا عنقه فأتي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم برجل قد شرب أربع مرات فلم يقتله فرأى المسلمون أن الحد قد رفع ثم قال النسائي‏:‏ هذا مما لا اختلاف فيه بين أهل العلم‏.‏ وقال‏:‏ أحاديث القتل منسوخة وقال الترمذي‏:‏ لا نعلم بين أهل العلم في القديم والحديث اختلافاً في هذا قال‏:‏ وسمعت محمداً يعني البخاري يقول‏:‏ إنما كان هذا يعني القتل في أول الأمر ثم نسخ بعد وقال ابن المنذر‏:‏ فإن الأصل فيمن شرب الخمر أن يضرب وينكل به ثم نسخ بجلده فإن تكرر أربعاً قتل ثم نسخ ذلك بالأخبار الثابتة بالإجماع إلا ممن شذ ممن لا يعد خلافه خلافاً قال الحافظ‏:‏ وأشار به إلى بعض أهل الظاهر وهو ابن حزم‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص قال الهيثمي‏:‏ فيه حميد بن كريب ولم أعرفه اهـ‏.‏ ‏[‏ص 159‏]‏ ورواه أيضاً عنه أبو يعلى باللفظ المزبور قال ابن حجر‏:‏ وسنده واه‏.‏

8771 - ‏(‏من شهد أن لا إله إلا اللّه‏)‏ أي مع محمد رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وآله وسلم فاكتفى بأحد الجزءين عن الآخر ‏(‏دخل الجنة‏)‏ ابتداء أو بعد تطهيره بالنار فالمراد لا بد من دخولها وفي رواية للشيخين أدخله اللّه الجنة على ما كان من العمل قال البيضاوي‏:‏ فيه دليل على المعتزلة في مقامين أحدهما أن العصاة من أهل القبلة لا يخلدون في النار لعموم قوله من شهد، الثاني أنه تعالى يعفو عن السيئات قبل التوبة واستيفاء العقوبة فإن قوله على ما كان من العمل حال من قوله أدخله الجنة والعمل غير حاصل حينئذ بل الحاصل إدخاله استحقاق ما يناسب عمله من ثواب أو عقاب، فإن قيل ما ذكر يوجب أن لا يدخل أحد النار من العصاة قلنا اللازم منه عموم العفو وهو لا يستلزم عدم دخول النار لجواز أن يعفو عن بعضهم بعد الدخول وقبل استيفاء العذاب، هذا وليس محتم عندنا أن يدخل النار أحد من الأمة بل العفو عن الجميع بموجب وعده بنحو قوله ‏{‏يغفر الذنوب جميعاً‏}‏‏.‏

- ‏(‏البزار‏)‏ في مسنده ‏(‏عن عمر‏)‏ بن الخطاب ورواه الطبراني من حديث جابر بلفظ من شهد أن لا إله إلا اللّه خالصاً من قلبه دخل الجنة ولم تمسه النار ورواه الشيخان بلفظ من شهد أن لا إله إلا اللّه وجبت له الجنة وذكر المصنف أنه بهذا اللفظ متواتر رواه نحو ثلاثين صحابياً‏.‏

8772 - ‏(‏من شهد أن لا إله إلا اللّه‏)‏ أداة الحصر لقصر الصفة على الموصوف قصر إفراد لأن معناه الألوهية منحصرة في اللّه الواحد في مقابلة من يزعم اشتراك غيره معه وليس قصر قلب لأن أحداً من الكفار لم ينفها عن اللّه وإنما أشرك معه غيره ‏{‏ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن اللّه‏}‏ ‏(‏وأن محمداً رسول اللّه‏)‏ صادقاً من قلبه كما قيد به في أخبار أخر وزعم أن شهد بمعنى صدق بقلبه فلا يحتاج الى تقدير غير مرضي لأنه حينئذ إما أن يكون بمعنى صدق مجرداً عن الإقرار باللسان أو معه فالأول يستلزم محذوراً آخر وهو أن يكون المصدق بقلبه الذي لم يقر بلسانه بلا عذر مؤمناً إذ لا يدخلها إلا مؤمن وليس كذلك والثاني يستلزم الجمع بين المعنيين المختلفين بلفظ واحد وهو ممنوع ذكره بعض الكاملين ‏(‏حرم اللّه عليه النار‏)‏ أي نار الخلود وإذا تجنب الذنوب أو تاب أو عفي عنه وظاهره يقتضي عدم دخول جميع من شهد الشهادتين النار لما فيه من التعميم لكن قامت الأدلة القطعية على أن طائفة من عصاة الموحدين يعذبون ثم يخرجون بالشفاعة فعلم أن ظاهره غير مراد فكأنه قال إن ذلك مقيد بمن عمل صالحاً أو فيمن قالها تائباً ثم مات على ذلك أو أن ذلك قبل نزول الفرائض والأوامر والنواهي أو خرج مخرج الغالب إذ الغالب أن الموحد يعمل الطاعة ويجتنب المعصية وجاء في أحاديث مرت ويأتي بعضها تقييد ذلك بقوله الشهادة مخلصاً قال الحكيم‏:‏ والإخلاص أن تخلص إيمانك حتى لا تفسده شهوات نفسك‏.‏